كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



وثامنها: «وانضح فرجك» يراد به: الغسل هنا لأنه المأمور به مبينا في الرواية الأخرى ولأن غسل النجاسة المغلظة لابد منه ولا يكتفي فيه بالرش الذي هو دون الغسل والرواية: «وانضح» بالحاء المهملة لا نعرف غيره ولو روي «انضخ» بالخاء المعجمة لكان أقرب إلى معنى الغسل فإن النضح بالمعجمة- أكبر من النضح بالمهملة.
وتاسعها: قد يتمسك به- أو تمسك به- في قبول خبر الواحد من حيث إن عليا رضي الله عنه أمر المقداد بالسؤال ليقبل خبره والمراد بهذا: ذكر صورة من الصور التي تدل على قبول خبر الواحد وهي فرد من أفراد لا تحصى والحجة تقوم بجملتها لا بفرد معين منها لأن إثبات ذلك بفرد معين: إثبات للشيء بنفسه وهو محال وإنما تذكر صورة مخصوصة للتنبيه على أمثالها لا للاكتفاء بها فيلعلم ذلك فإنه مما انتقد على بعض العلماء حيث استدل بآحاد وقيل: أثبت خبر الواحد وجوابه: ما ذكرناه.
ومع هذا فالاستدلال عندي لا يتم بهذه الرواية وأمثالها لجواز أن يكون المقداد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي بحضرة علي فسمع علي الجواب فلا يكون من باب قبول خبر الواحد وليس من ضرورة كونه يسأل عن المذي بحضرة علي: أن يذكر أنه هو السائل نعم إن وجدت رواية مصرحة بأن عليا أخذ هذا الحكم عن المقداد ففيه الحجة.
وعاشرها: قد يؤخذ من قوله عليه السلام في بعض الروايات: «توضأ وانضح فرجك» جواز تأخير الاستنجاء عن الوضوء وقد صرح به بعضهم وقال في قوله: «توضأ واغسل ذكرك» إن فيه دليلا عن أن الاستنجاء يجوز وقوعه بعد الوضوء وأن الوضوء لا يفسد.
بتأخير الاستنجاء عنه وهذا يتوقف على القول بكون الواو للترتيب وهو مذهب ضعيف وفي هذا التوقف نظر وليعلم بأنه لا يفسد الوضوء بتأخير الاستنجاء إذا كان الاستنجاء بحائل يمنع انتقاض الطهارة.
وحادي عشرها: اختلفوا في أنه هل يجوز في المذي الاقتصار على الأحجار؟ والصحيح: أنه لا يجوز ودليله: أمره صلى الله عليه وسلم بغسل الذكر منه فإن ظاهره يعين الغسل والمعين لا يقع الامتثال إلا به.
ثاني عشرها: الفرج: هنا هو الذكر والصيغة لها وضعان: لغوي وعرفي فأما اللغوي: فهو مأخوذ من الانفراج فعلى هذا: يدخل فيه الدبر ويلزم منه انتقاض الطهارة بمسه لدخوله تحت قوله: «من مس فرجه فليتوضأ» وأما العرفي: فالغالب استعماله في القبل من الرجل والمرأة والشافعية استدلوا في انتقاض الوضوء بمس الدبر بالحديث وهو قوله: «من مس فرجه» فيحتمل أن يكون ذلك لأنه لم يثبت في ذلك عند المستدل به عرف يخالف الوضع ويحتمل أن يكون ذلك لأنه ممن يقدم الوضع اللغوي على الاستعمال العرفي.
2- عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد عاصم المازني رضي الله عنه قال: شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل [الذي] يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: «لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا».
الشيء المشار إليه: هي الحركة التي يظن أنها حدث والحديث أصل في إعمال الأصل وطرح الشك وكأن العلماء متفقون على هذه القاعدة لكنهم يختلفون في كيفية استعمالها مثاله: هذه المسألة التي دل عليها الحديث وهي: من شك في الحدث بعد سبق الطهارة فالشافعي أعمل الأصل السابق وهو الطهارة وطرح الشك الطارئ وأجاز الصلاة في هذه الحالة.
ومالك منع من الصلاة مع الشك في بقاء الطهارة وكأنه أعمل الأصل الأول وهو ترتب الصلاة في الذمة ورأى أن لا يزال إلا بطهارة متيقنة وهذا الحديث ظاهر في إعمال الطهارة الأولى واطراح الشك.
والقائلون بهذا اختلفوا فالشافعي اطرح الشك مطلقا وبعض المالكية اطرح بشرط أن يكون في الصلاة وهذا له وجه حسن فإن القاعدة: أن مورد النص إذا وجد فيه معنى يمكن أن يكون معتبرا في الحكم فالأصل يقتضي اعتباره وعدم اطراحه وهذا الحديث يدل على اطراح الشك إذا وجد في الصلاة وكونه موجودا في الصلاة: معنى يمكن أن يكون معتبرا فإن الدخول في الصلاة مانع من إبطالها على ما اقتضاه استدلالهم في مثل هذا بقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فصارت صحة الصلاة أصلا سابقا على حالة الشك مانعا من الإبطال ولا يلزم من إلغاء الشك مع وجود المانع من اعتباره إلغاؤه مع عدم المانع وصحة العمل ظاهرا: معنى يناسب عدم الالتفات إلى لاشك يمكن اعتباره فلا ينبغي إلغاؤه.
ومن أصحاب مالك من قيد هذا الحكم- أعني اطراح الشك- بقيد آخر وهو أن يكون الشك في سبب حاضر كما جاء في الحديث حتى لو شك في تقدم الحدث على وقته الحاضر لم تبح له الصلاة.
ومأخذ هذا: ما ذكرناه من أن مورد النص ينبغي اعتبار أوصافه التي ينبغي اعتبارها ومورد النص: اشتمل على هذا الوصف وهو كونه شك في سبب حاضر فلا يلحق به ما ليس في معناه من الشك في سبب متقدم إلا أن هذا القول أضعف قليلا من الأول لأن صحة العمل ظاهرا وانعقاد الصلاة: سبب مانع مناسب لاطراح الشك وأما كون السبب ناجزا: فإما غير مناسب أو مناسب مناسبة ضعيفة.
والذي يمكن أن يقرر به قول هذا القائل: أن يرى أن الأصل الأول- وهو ترتب الصلاة في ذمته- معمول به فلا يخرج عنه إلا بما ورد فيه النص وما بقي يعمل فيه بالأصل ولا يحتاج في المحل الذي خرج عن الأصل بالنص إلى مناسبة كما في صور كثيرة عمل فيها العلماء هذا العمل أعني أنهم اقتصروا على مورد النص إذا خرج عن الأصل أو القياس من غير اعتبار مناسبة وسببه: أن إعمال النص في مورده لابد منه والعمل بالأصل أو القياس المطرد: مسترسل لا يخرج عنه إلا بقدر الضرورة ولا ضرورة فيما زاد على مورد النص ولا سبيل إلى إبطال النص في مورده سواء كان مناسبا أو لا وهذا يحتاج معه إلى إلغاء وصف كونه في صلاة ويمكن هذا القائل منع ذلك بوجهين.
أحدهما: أن يكون هذا القائل نظر إلى ما في بعض الروايات وهو أن يكون الشك لمن هو في المسجد وكونه في المسجد: أعم من كونه في الصلاة فيؤخذ من هذا: إلغاء ذلك القيد الذي اعتبره القائل الآخر وهو كونه في الصلاة ويبقى كونه شاكا في سبب ناجز إلا أن القائل الأول له أن يحمل كونه في المسجد على كونه في الصلاة فإن الحضور في المسجد يراد للصلاة فقد يلازمها فيعبر به عنها وهذا- وإن كان مجازا- إلا أنه يقوى إذا اعتبر الحديث.
الأول وكان حديثا واحدا مخرجه من جهة واحدة فحينئذ يكون ذلك الاختلاف اختلافا في عبارة الراوي بتفسير أحد اللفظين بالآخر ويرجع إلى أن المراد: كونه في الصلاة.
الثاني:- وهو أقوى من الأول- ما ورد في الحديث: «إن الشيطان ينفخ بين أليتي الرجل» وهذا المعنى يقتضي مناسبة السبب الحاضر لإلغاء الشك.
وإنما أوردنا هذه المباحث ليتلمح الناظر مأخذ العلماء في أقوالهم فيرى ما ينبغي ترجيحه فيرجحه وما ينبغي إلغاؤه فيلغيه والشافعي رحمه الله ألغى القيدين معا- أعني كونه في الصلاة وكونه في سبب ناجز- واعتبر أصل الطهارة.
3- عن أم قيس بنت محصن الأسدية: «أنها أتت بان لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجره فبال في ثوبه فدعا بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسله».
4- وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه».
ولمسلم: «فأتبعه بوله ولم يغسله».
الكلام عليه: اختلف العلماء في بول الصبي الذي لم يطعم الطعام في موضعين: أحدهما: في طهارته أو نجاسته ولا تردد في قول الشافعي وأصحابه في أنه نجس والقائلون بالنجاسة اختلفوا في تطهيره: هل يتوقف على الغسل أم لا؟ فمذهب الشافعي وأحمد: أنه لا يتوقف على الغسل بل يكفي فيه الرش والنضح وذهب مالك وأبو حنيفة إلى غسله كغيره والحديث ظاهر في الاكتفاء بالنضح وعدم الغسل لاسيما مع قولها: «ولم يغسله» والذين أوجبوا غسله: اتبعوا القياس على سائر النجاسات وأولوا الحديث.
وقولها: «ولم يغسله» أي غسلا مبالغا فيه كغيره وهو لمخالفته الظاهر محتاج إلى دليل يقاوم هذا الظاهر.
ويبعده أيضا: ما ورد في بعض الأحاديث من التفرقة بين بول الصبي والصبية فإن.
الموجبين للغسل لا يفرقون بينهما ولما فرق في الحديث بين النضح في الصبي والغسل في الصبية: كان ذلك قويا في أن النضح غير الغسل إلا أن يحملوا ذلك على قريب من تأويلهم الأول وهو إنما يفعل في بول الصبية أبلغ مما يفعل في بول الصبي فسمي الأبلغ غسلا والأخف نضحا.
واعتل بعضهم في هذا بأن بول الصبي يقع في محل واحد وبول الصبي يقع منتشرا فيحتاج إلى صب الماء في مواضع متعددة ما لا يحتاج إليه في الصبي وربما حمل بعضهم لفظ النضح في بول الصبي على الغسل وتأيد بما في الحديث من ذكر «مدينة ينضح البحر بجوانبها» وهذا ضعيف لوجهين.
أحدها: قولها: ولم يغسل.
والثاني: التفرقة بين بول الصبي والصبية والتأويل فيه عندهم ما ذكرناه.
وفسر بعض أصحاب الشافعي النضح أو الرش المذكور في بول الصبي فقال: ومعنى الرش: أن يصب عليه من الماء ما يغلبه بحيث لو كان بدل البول نجاسة أخرى وعصر الثوب: كان يحكم بطهارته.
والصبي المذكور في الحديث محمول على الذكر وفي مذهب الشافعي في الصبية خلاف والمذهب: وجوب الغسل للحديث الفارق بين بول الصبي والصبية وقد ذكر في معنى التفرقة بينهما وجوه:
منها: ما هو ركيك جدا لا يستحق أن يذكر ومنها: ما هو قوي وأقوى ذلك ما قيل: إن النفوس أعلق بالذكور منها بالإناث فيكثر حمل الذكور فيناسب التخفيف بالاكتفاء بالنضح دفعا للعسر والحرج بخلاف الإناث فإن هذا المعنى قليل فيهن فيجري على القياس في غسل النجاسة.
وقد استدل بعض المالكية بهذا الحديث على أن الغسل لابد فيه من أمر زائد على مجرد إيصال الماء من جهة قولها: (ولم يغسله) مع كونه أتبعه بماء.
5- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه».
الأعرابي منسوب إلى الأعراب وهم سكان البوادي ووقعت النسبة إلى الجمع دون الواحد فقيل: لأنه جرى مجرى القبيلة كأنمار أو لأنه لو نسب إلى الواحد وهو (عرب) لقيل: عربي فيشتبه المعنى فإن العربي كل من هو من ولد إسماعيل عليه السلام سواء كان ساكنا بالبادية أو بالقرى وهذا غير المعنى الأول.
وزجر الناس له من باب المبادرة إلى إنكار المنكر عند من يعتقده منكرا.
وفيه تنزيه المسجد عن الأنجاس كلها ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن زجره: لأنه إذا قطع عليه البول أدى إلى ضرر بنيته والمفسدة التي حصلت ببوله قد وقعت فلا تضم إليها مفسدة أخرى وهي ضرر بنيته.
وأيضا فإنه إذا زجر- مع جهله الذي ظهر منه- قد يؤدي إلى تنجيس مكان آخر من المسجد بترشيش البول بخلاف ما إذا ترك حتى يفرغ من البول فإن الرشاش لا ينتشر وفي هذا الإبانة عن جميل أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم ولطفه ورفقه بالجاهل.
والذنوب بفتح المعجمة ههنا: هي الدلو الكبيرة إذا كانت ملأى أو قريبا من ذلك ولا تسمى ذنوبا إلى إذا كان فيها ماء والذنوب أيضا: النصيب قال الله تعالى: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} [الذريات: 59] ولعلقمة:
فحق لشاس من نداك نصيب

وفي الحديث: دليل على تطهير الأرض النجسة بالمكاثرة بالماء وقد قال الفقهاء: يصب على البول من الماء ما يغمره ولا يتجدد بشيء وقيل: يستحب أن يكون سبعة أمثال البول.
واستدل بالحديث: أيضا على أنه يكتفى بإفاضة الماء ولا يشترك نقل التراب من المكان بعد ذلك خلافا لمن قال به.
ووجه الاستدلال بذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه في هذا الحديث الأمر بنقل التراب وظاهر ذلك: الاكتفاء بصب الماء فإنه لو وجب لأمر به ولو أمر به لذكر وقد وردت في حديث آخر ذكر الأمر بنقل التراب من حديث سفيان بن عيينة ولكنه تكلم فيه.